دراسة تتناول الثقافة الإسلامية في الغرب :
العولمة الثقافية تستهدف القضاء على هوية الأقليات المسلمة
[ عرض وتحليل :
[ سهير محمد حسنين .
[ مدير عام البرامج الدينية
[ إذاعة " صوت العرب " – مصر .
الوجود الإسلامي في الغرب ليس مؤقتا .
تصحيح صورة الإسلام وحماية الصحوة الثقافية للمسلمين .
الواقع الذي تعيشه الأقليات المسلمة محاط بالعديد من الأخطار .
الوسطية الإسلامية تحول دون التفريط أو الإفراط .
إنتعاش الثقافة الإسلامية في الغرب ليس غزوا عقديا .
الغرب إعترف بالإسلام لكن العراقيل لازالت موجودة !!
بسم الله الرحمن الرحيم
[ عرض وتحليل :
[ سهير محمد حسنين .
[ كشفت الدراسة التي أعدها عدد من خبراء المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة – الإيسيسكو – حول الثقافة الإسلامية في الغرب.. عن العديد من العراقيل التي وضعتها بعض الدول الغربية أمام إنطلاقة الثقافة الإسلامية في المجتمعات الأوروبية .. فالغرب لازال يضع الإسلام والمسلمين في موضع الإدانة دون أسباب جوهرية .
[ وأوضحت الدراسة .. أن النشاط الثقافي في الغرب مسموح به .. لكن هناك العديد من الشروط التي تضعها الدول الغربية للحدّ من أثر هذه الثقافة الإسلامية .. وبالرغم من أن المسلمين قد أصبحوا جزءا مهما من التكوين الديموجرافي للغرب .. أى أن الوجود الإسلامي هناك لم يعد وجودا مؤقتا .. إلاّ أن الواقع الذي تعيشه الأقليات المسلمة في الغرب .. لازال محفوفا بالعديد من الأخطار .. بل إن عددا كبيرا من سكان الغرب ينظر – للأسف الشديد – على أن إنتعاش الثقافة الإسلامية هناك .. بمثابة الغزو العقدي .. ومن ثم فإن دول الغرب التي إعترفت بالإسلام وحق المسلمين في ممارسة شعائرهم الدينية والحفاظ على هويتهم العقائدية والإجتماعية والتمسك بعاداتهم .. لازالت تقف موقف الرافض لبعض القضايا التي تخصّ المسلمين والمسلمات .. ومنها " الحجاب " – وهو الزي الإسلامي – فيعتبره الغرب رمزا للتعصب والجمود الفكري !!
[ وترى الدراسة أن الغرب يشجع " العولمة الثقافية " .. من أجل إدماج المسلمين هناك في نظم الغرب العلمانية .. في حين يرى المسلمون أن العولمة الثقافية تقضي على الهوية الثقافية للأقليات المسلمة .. وأن "التوحيد الثقافي " الذي يصرّ عليه الغرب .. هو في حدّ ذاته خطر جديد يهدد الوجود الإسلامي في دول الغرب .. وأمام كل هذه الأطروحات الغربية في المسألة الثقافية نجد الأقليات المسلمة هناك حائرة بين إختيار العزلة للحفاظ على الذات .. أو التعايش مع الغرب بشروط في مقدمتها صيانة هويتهم الإسلامية ضد الذوبان في النطاق الثقافي لمجتمعات الغرب.
[ والدراسة التي نحن بصددها .. هي ثمرة جهد كبير شارك فيه عدد من العلماء والمفكرين المسلمين .. الذين إهتموا بالعمل الثقافي في الغرب.. فوضعوا العديد من الضوابط المهمة لحماية الثقافة الإسلامية للأقليات المسلمة في الغرب .
[ وإلى أهم ما جاء في هذه الدراسة :
الإصالة والمعاصرة
[ ترتكز إستراتيجية العمل الثقافي الإسلامي في الغرب .. على التلاحم بين مبدأي الأصالة والمعاصرة .. حيث تعمد إلى ترسيخ قيم الإنتماء العقدي والحضاري من جهة وعلى الإنفتاح على مستجدّات العصر من جهة أخرى .. كي لا تنقطع صلة الأجيال المسلمة في الغرب بماضيها وفي الوقت نفسة لا تتقاعس عن مواكبة زمانها .. كما ترتكز على أن البناء الحضاري لأي مجتمع من المجتمعات .. يجب أن يقوم على العناية بمختلف الجوانب الثقافية والإجتماعية والتربوية .
خصوصية الواقع الإسلامي
[ وبما أن الجاليات المسلمة في الغرب .. تشكّل جزءا من كيان الأمة الإسلامية .. وحيث إن وجودها لم يعد وجودا مؤقتا .. فإنه أضحى من الضروري العمل على حماية هويتها الحضارية وبيان أفاق علاقتها بالمجتمع الذي تعيش في نطاقة وحضارته .. لذا نالت الجاليات والأقليات المسلمة في الغرب مساحة كبيرة وحيزا واسعا من إهتمامات الأمة ومؤسساتها عن طريق تقديم الدعم اللازم لها .. ومعالجة القضايا التربوية والثقافية والعمل على توضيح قيم الإسلام ومزاياه التشريعية وسهولة تعاليمة الربانية ورسالته الهادية .. والعمل أيضا على تصحيح صورة الإسلام من التشويه وحماية صحوته .. وذلك بتوحيد الجهود وتقريب الرؤى وتنسيق المواقف بين العاملين في مجالات الدعوة والتعليم والتثقيف الإسلامي في الغرب .
[ فإذا كانت دواعي إقرار إستراتيجية العمل الثقافي الإسلامي في الغرب .. تعود إلى ضرورة تخطيط مناهج العمل التثقيفي التي تستهدف الحفاظ على الهوية الإسلامية .. فإنها تستجيب أيضا لدواعي تعود لخصوصية الواقع الذي تعيشه الجاليات والأقليات المسلمة في الغرب وما يحيط به من تحديات تتمثل في المخططات الغربية التي تستهدف "إدماج" الجاليات والأقليات المسلمة هناك في النظام القائم باختياراته العلمانية وأخلاقة الوضعية .
العولمة الثقافية
[ توكد الدراسة .. على أن مخطط إدماج الأقليات المسلمة في الكيان الثقافي الغربي .. غالبا ما كان يلقى معارضة ومقاومة كبيرة من المسلمين .. بسبب حرص الجاليات والأقليات المسلمة على التمسك بذاتيتها الثقافية وخصوصيتها الإسلامية الأصيلة .. غير أن هذا الحرص من جانب المسلمين في الغرب .. لا يعني إنغلاقا على الذات أو إنعزالا عن المجتمعات الغربية حيث برهنت الجاليات المسلمة في الغرب .. على قدرتها على الإندماج الإقتصادي وقدرتها على التعايش مع سكان المجتمعات الغربية .
[ ولما كانت التحولات العالمية الأخيرة .. ومنها طموح العولمة الإقتصادية في أن تفرض نموذجا للعولمة الثقافية على المستوي العالمي.. لذا فإن هذا الطرح الثقافي الجديد سوف يصطدم بثقافات الشعوب الأخرى ومنها الثقافة الإسلامية .. وإذا كان " التوحيد الثقافي " بمثابة خطر جديد يواجه الأمة الإسلامية .. فلابد للأمة وهي تواجه هذه الأخطار أن تسعى جاهدة لحماية الجاليات والأقليات المسلمة التي تعيش في مجتمعات غير إسلامية .. وذلك حتى لا تتعرض لأخطار الذوبان أو التذويب أو التغريب الفكرى واللغوى والعقائدي .
الوجود الإسلامي
[ عن الوجود الإسلامي في الغرب تتناول الدراسة العديد من الحقائق المهمة .. في مقدمتها أن الإسلام قد أصبح إحدى الديانات السماوية الحاضرة في الغرب .. ويكاد يكون هو الديانة الثانية في بعض الدول الأوروبية .. وأن معدلات الولادات لدى الجاليات الإسلامية تفوق في بعض المناطق مثيلاتها لدى الأسر الغربية .
[ واضافت الدراسة : أن الوجود الإسلامي في أوروبا .. غدا واقعا حيّا مستقرا يضرب بجذوره في أجزاء من أوروبا التي عاشت ردحا من الزمان في ظل الإسلام .. وأن هذا الوجود الإسلامي بواقعه وقضاياه .. بات يمثّل ثقلا بشريا وحضاريا يستأثر باهتمامات المسئولين في العالم الإٍسلامي وفي المجتمعات الغربية .. وأمام ذلك عملت الأمة على إيجاد إستراتيجية لحماية الهوية الثقافية للجاليات المسلمة من الإستيلاب الفكري الذي يهدد الأجيال المسلمة ويهدد معتقداتها الدينية .. والعمل المستمر على تقديم الزاد المعرفي والروحي والأخلاقي الذي سينير الطريق لأبناء الجاليات والأقليات المسلمة .. إنسجاما مع الوسطية الإسلامية وتفاديا للسقوط في متاهات التفريط أو الإفراط .
التعامل مع الآخر
[ يؤكد خبراء الإيسيسكو في هذه الدراسة .. أن النشاط الثقافي الإسلامي في الوسط الأوروبي .. مسموح به في حدود عدم إحداث تغيير في بنيات المجتمع .. وإلى مستويات لا تسمح ببزوغ منظومة إسلامية التوجه أو كيان سياسي مستقل .. فالمسألة بخصوص الإٍسلام ليست مسألة وجود .. وإلاّ لما سمح لمؤسساته ومعتنقيه بمكتسبات ومجالات عمل واسع .. بل المسألة مسألة مرجعية في صياغة تعليم الأجيال وتثقيفها .
[ وتؤكد الدراسة : أن الإسلام أصبح حاضرا في أوروبا بقوة سكانية من جهة .. وقوة ثقافية من جهة أخرى إلى درجة دفعت بعض المتطرفين في أوروبا إلى الإدعاء أنهم أمام غزو ديني أو إستعمار عقدي !!
مرض الخوف من الإسلام
[ ودعت الدراسة إلى تصحيح النظر إلى المجتمع الأوروبي باعتباره ليس علمانيا صرفا .. فالمؤسسات الدينية في الغرب لها نفوذها وقوتها .. ويلزم الحرص على التعاون معها لتحقيق العديد من المكتسبات المشتركة.. وأن المجتمع الأوروبي مجتمع متفتّح على الرغم من الأزمات العارضة .. ويلزم كسب العديد من الأنصار – من داخله – لصالح الجاليات والأقليات المسلمة .. وأن المجتمع الأوروبي مصاب – عبر تغذية إعلامية مستمرة – بمرض الخوف من الإسلام .. وأن تنمية معارف المسلم بالآخر وثقافاته وتاريخه .. كفيل بإزالة هذا المرض أو هذا الخوف .. كما أنه مجتمع قلق على مستقبله .. حيث يعتبر الإسلام بقوته السكانية وقوة إختراق عقيدته للقلوب مهددا له .
نقد الذات
[ وتستعرض الدراسة في صراحة واضحة بعض مواطن الخلل في معالجة قضايا الجاليات والأقليات المسلمة في الغرب .. ويركّز في هذا المجال على آفتين هما : ضعف المكتسب وسرعة تجريم الآخر والسعي لتبرئة الذات فتقول :
[ لقد الفنا إتخاذ مواقف مرتجلة عند تشعّب القضايا .. وروّضنا أنفسنا على منهج السعي إلى تجريم الآخر وتبرئة الذات وتبادل تهم التفريط بين أطراف الذات .. كل منها يلقى بالمسئولية على الآخر دون عزم على تغيير في المنهج والأسلوب وآليات التفكير وأدوات العمل .
نظرة الغرب للإسلام
[ تحدث خبراء الإيسيسكو في الدراسة .. عن صورة الإسلام الحالية في الغرب .. فأكدوا أنها صورة تكونت نتيجة الموروث التاريخي الذي هيمن وترسّخت تراكماته في العقلية الغربية وجعلتها أسيرة مواقف وتصورات غير منصفة وغير موضوعية وتكون في أحيان كثيرة مغرضة.
[ إن الأفكار المغلوطة والصورة المشوهة عن الإسلام في الغرب .. قد أفرزتها أحداث وأوضاع متشابكة لا تمت للإسلام بصلة .. كما أن الأفكار المسبقة عن الإسلام زرعت وترعرعت في أذهان كثير من الاوروبيين دون أن تكون هناك أى محاولة لتصحيحها .. ولا شك أن الحكم المسبق على الإسلام والإعتماد على الرويات الشاذة لدعم الأفكار الخاطئة التي تجعل الإسلام في موضع الإدانة .. كل ذلك عمل على تثبيت الصورة الخاطئة التي نراها اليوم .. وقد عملت وسائل الإعلام الغربية على تغذية هذا الجو المشحون .. بمحاولاتها الربط بين الإسلام وممارسة العنف والإرهاب .. وذلك لتخويف الغربيين من الإسلام .
[ وعلى الرغم من أن بعض الدول الأوروبية .. قد خطت خطوات مهمة باعترافها بالإسلام .. وتم بالفعل في بعض الدول الأخرى إعطاء حقوق مدنيّة للمسلمين .. فإنه لا تزال هناك عراقيل ومعوقات كثيرة لتطبيق ذلك في دول أوروبية أخرى .. كما أن هناك إستمرارا في إعتبار بعض المظاهر الإسلامية – كالحجاب – مثلا .. رمزا للتعصب والتحجّر الفكري !! وهناك من يرفض السماح للمحجبات بالدخول إلى المدارس بدعوى الحفاظ على مبادئ علمانية المدرسة الأوروبية !! وكرد فعل لذلك نجد أن صورة الغرب لدى المسلم .. غالبا ما تكون مقترنه بالإحباط نتيجة عدم تطابق المفهوم مع الواقع .
فتح أبواب الحوار
[ وترى الدراسة .. أن تصحيح صورة الإٍسلام في الغرب وتخليصها من كل ما يشوبها .. هو من المهام المستعجلة المطروحة على الغرب وعلى المسلمين في آن واحد .. لأنه لا يمكن لهذه الفجوة بين االإسلام والغرب أن تستمر .. وأنه قد بات من الضروري فتح حوار حضاري وثقافي وديني بين الإسلام والغرب .. لكن دون أى إستعلاء .. مع الإقتناع بأن المشروع الحضاري المعاصر .. يحتاج للمساهمات الغربية والمساهمات الإسلامية.. ولكي ينجح هذا الحوار يجب أن تتخلى وسائل الإعلام في الغرب عن إلصاق تهمة الإرهاب إلى الإسلام والمسلمين .. كما لا يجوز أن تكون غاية هذا الحوار .. دعوة المسلمين إلى الإستسلام أو التخلي عن هويتهم الثقافية أو الإنسلاخ من إنتمائهم الحضاري .
لغة الأرقام
[ واشارت الدراسة إلى أنه لا تتوفر إحصائيات رسمية ودقيقة عن عدد المسلمين بالدول الأوروبية .. بل أن هناك إختلافات كبيرة بين الأرقام التي يقدمها مختلف الباحثين .. فهناك من يتحدث عن 26 مليون نسمة من المسلمين .. وهناك من يتحدث عن 16 مليون نسمة .. وهناك من يرجح أن العدد قد يصل إلى 33 مليون .. بينما يرى البعض أنهم يشكلون 6.2% تقريبا من مجموع سكان أوروبا الغربية .
[ وربما يعود سبب هذا التفاوت الكبير في التقديرات إلى أن البعض يدمج مسلمي أوروبا الشرقية والقسم الغربي من الإتحاد السوفيتي سابقا ضمن مسلمي أوروبا .. والبعض الآخر يقصيهم .. وعلى أى فإن هناك من الباحثين من يحدد عدد المسلمين في أوروبا الغربية بحوالي تسعة ملايين نسمة متمركزة في ست دول .. بحيث نجد أن أعلى كثافة للحضور الإسلامي توجد بفرنسا .. حيث تبلغ نسبة المسلمين بها أكثر من 5% أما في الخمس دول الأخرى .. فإن نسبة المسلمين بها تفوق 2% من السكان .. أما بالنسبة لبعض الدول في شمال أوروبا كالسويد والدنمرك والنرويج .. فإن نسبة المسلمين بها تصل إلى حوالى 1% وكذلك الأمر بالنسبة لسويسرا .. اما بالنسبة لدول جنوب أوروبا كايطاليا وأسبانيا والبرتغال فإن عدد المسلمين بها مجتمعة لا يتجاوز 700 ألف نسمة .
[ وبالرغم من هذه التقديرات فإن الدراسة تميل إلى ترجيح ما ذهب إليه كثير من الباحثين في الهجرة الإسلامية .. وهو إعتبار أن الإسلام أصبح ثاني أكبر الديانات في أوروبا بعد المسيحية .. فقد أصبح المسلمون عنصرا أساسيا في التكوين الديموجرافي لأوروبا .. وأن الإسلام قد تم إستنباتة في أرض أوروبا ولا يمكن إقتلاعه منها إلى الأبد .