رحله00 في جدارالزمن والأرض 00
• السماء تذرف دمها بغزاره .. بدت كعذراء قد ودعت في التو محبوبها السائر الى ميدان القتال .. وظلت تتبع بالدمع خطاه.. الى أن تلاشت من الطريق..
والشمس قد حجبتها عن الكون الغيوم .. كما نحجب دخان القنابل كل شيء حتى الذي يقف الى جوارك .. لقد بكت السماء .. وكأن الشتاء قد القى لتوه قنبله مسيله للدموع في وجه السماء .. ثم دارت المعركه بين البرق وبين الرعد .. والناس على الارض تجري خوفاً من الامطار .. هل هذه القطرات المتساقطه من السماء سوف تقتلهم !!
لقد خلت الشوارع من الماره .. تماماً .. تابعت خطواتي تحت الامطار .. ولم اقتل ..كلما أصابني .. ان ابتلت ملابسي .. نظرت الى هذا لشد المرصوص الى الجدار بسخريه .. تابعت السير .. تابعتني نظراتهم في سخريه .. ان السخريه تكاد أن تكون متبادله بيننا بالتساوي .. وكل منا على صواب .. وكل منا على خطأ .. !! لكن سرعان ما تلاشت نظراتهم تحت الامطار ..
اشعلت سيجارتي بصعوبه .. لكنها اشتعلت .. واختلط دخانها بالمطر .. فزاده كثافه .. واكسبه طعماً لذيذاً ..!!
ما أحلى ان تخلو الطرقات في المدينه لتسير وحدك .. لم يسبق لي ان سرت وحدي في مدينه خاليه.. مغسوله طرقاتها بماء سماوي ..
أضحت الطرقات كالمرآه ترى فيها وجهك .. ما أجمل وما ابدع شكل الامطار على الطرقات المرصوفه .. وما امتع ان تسير في شارع تري فيه نعل حذائك ..
كثيرا ماشعرت بوحدتي بين الزحام .. وحدي بمشاكلي .. وحدي بأحلامي .. أما اليوم فانني وحدي بلا احلام .. بلا مشكلات ..!!
ان طيفي على الطريق .. أصبح له رفيق .. !! انني أعلم ان السراب لا يكون الا في الصحراء .. ولكن على مايبدو ان هذا السراب تحت الامطار وفي مدينه .. ولست ظمآناً , ولا اشكو العطش.. فان المياه تغمرني .. تفيض حتى من ملابسي ..
فكرت عيناي .. واذا بالطيف يلازم طيفي على مرآة الطريق .. نظرت الى جانبي .. فادركت ان ما اظنه السراب.. انما هو حقيقه .. تطلعت اليها .. انها حقيقه .. شعرها الاسود الفاحم يمطر .. عيناها يزدهر فيهما الربيع المورق بالجمال .. تباطأت في المسير قليلاً .. انها ترنو في زهو و نضاره .. وبدا قوامها المبلل بالامطار جميلاً .. وشهياً .. تباطأت هي الاخرى في خطوها الناعس .. الناغم بالحيويه .. نامت عيناي على عينها .. على شفتيها ذات اللون البنفسجي .. ايقظتني ابتسامتها الدافئه .. كأن الشمس ق اشرقت وسرى شعاعها بالدفء الى بدني .. غردنت الطيور الحب في قلبي .. تابعنا المسير سوياً ..
سارت بنا الخطى الى طريق تحيطه الاشجار .. امتلأ الشارع بالبشر .. غردت الطيور منتعشه .. همست بصوتها الحنون :
- لقد انتهى كل شيء ..
توقفت .. توقفت .. قلت .. لا .. بل قد بدأ كل شيء ..
ابتسمت وقالت :
- انك تبدأ من حيث انتهي ..
- انما تسرعت في وضع النهايه ..
- انها نهاية المطر ..
- وبداية الشمس مشرقه , وتغريد الطيور ..
- اذن فهي نهاية ..
- واذن هي بدايه ..
- كلانا على حق ..
- لكني افضل البدايه ..
- وانا افضل النهايه ..
- هل تفضلين نهاية الانسان !!
- ربما .. ولاسباب ..
- انما افضل نهاية الانسان ..
- ان البدايه والنهايه سواء ..
- ان البدايه تفتح .. والنهايه ذبول ..
- البدايه معها العذاب .. والنهايه معها ايضا العذاب ..
- اذن فالحياه والموت عذاب ..
- ليس بهذا التطابق .. ولكن بينهما العذاب على الاقل ..
- ولكننا نفرح بالبدايه .. ونبكي مع النهايه ..
- هذا هو العذاب نفسه ..
- نفرح لميلاد طفل .. ونبكي عندما يموت ..
- ونفرح عند الزفاف وتبكي عند الطلاق ..
- لماذا الزفاف .. والطلاق بالذات ..
- لأني كلاهما معاً ..
- عروس .. !!
- عروس مطلقه !!
كان الشارع الطويل قد انتهى تحت أقدامنا .. واصبحنا في مفترق الطرق .. توقفنا .. أشرت اليها ان نسلك الطريق المواجه لنا .. ولكنها استدارت ثم قالت :
- بل نعود من ذات الطريق ..
- لأنه أطول الطرق ..
- لا .. بل لنبدأ حيث انتهينا ..
- ولم لا نغيره ..
- لأبدأ انا .. حيث تنتهي ..
- بالتبادل .. !!
- لا .. ولكن لأجرب نظريتك ..
- لو كان في الطريق الذي سلكناه أخطاء .. فأننا نعيد نفس الشيء الخطأ ..
- ولم لا .. كي نصححه ..
- ولم لا يكون في الطريق آخر ..
- ان تصحيح الخطاء المعروف .. اسهل بكثير من تلاشي أخطاء لا نعرفها ..
- وقد لا تكون أخطاء بالمره ..
- وربما تكون الاخطاء بالجمله ..
- قلت انك عروس مطلقه ..
- نعم ..
- هل ترغبين في تصحيح خطاء .. كان سبباً في الطلاق ..
- اليس افضل من بدايه جديده .. وخطاء جديد ..
- كرري التجربه .. ولا تجربي الخطأ..
- وهل تعرف هذا الخطأ الذي تتحدث عنه ..
- يكفي انه خطأ ..
- لابد من معرفه الخطأ .. لنصنع الصواب ..
- ما هو ..
- يريدني في بلد أخر ..
- وما هو الخطأ ..
- ابعادي عن أهلي .. ومدينتي ..
- من حيث المكان فقط .. !!
- نعم ..
- اكنت توافقين لو طلب الزواج منك لمدة عام واحد ..
- طبعا لا ..
- اذن لا توافقين على تحديد زمني للزواج ..
- طبعا ..
- وطبعا هو لا يوافق على تحديده بمكان ..
- ولكن ..
- ارجوك .. لا تقولي شيئاً .. ان الزواج .. لا يحدد بمكان او زمان .. حتى يكون زوجاً ..
- كان يمكن ان يعيش هنا ..
- ولم لا تعيشين ات هناك ..
- اين ..
- حيث لا حدود للمكان .. ولاحدود للزمن ..
- انك رجل .. تعصب للرجال ..
- وهل تتعصبين للنساء ..!!
- لا .. ولكنك متعصب ..
- متعصب للحقيقه ..
- ولكني أخبرته .. انني مضطره للحياه هناك ..
- هل وافق ..
- لا .. قال ارسل لك خطابا بردي ..
- وهل ارسل خطابه .. ؟؟
- نعم ..
- بالموافقه ..
- انما بالانفصال .. فتحت الخطاب فوجدت به قسيمة الطلاق ..
- منذ متي ..
- منذ خمسة اشهر ..
- اذن قد انتهى كل شيء بينكما ..
- نعم .. لقد انتهى كل شيء ..
- اتودين مره اخري النهايه ..
- نعم .. اريد ان انصرف .. فقد غسلت نفسي تحت المطر .. وغسلت كبريائي المهان معك ..
- هل تبدأي من جديد ..
- أخاف ان ابدأ من جديد .. لأصل الى النهايه من جديد ..
- لا تجعلى للمكان والزمان حدود ..
- سأبدأ ..
- الشارع قد انتهى .. هل تعود ايه مره اخرى ..
- بل من الشارع جديد ..
- بدايه طيبه - !!
- وداعاً !!
- لا .. انتظري ..
- ماذا ؟
- هل تبدأي وحدك .. مع من !!
- فلنبدأ معاً ..
السماء .. ترتدي ثوبها الداكن .. الطيور .. هجرت السماء .. سكنت فروع الاشجار .. بدأت الامطار تخلى الطرقات من الماره .. اشعلت سيجارتي بصعوبه .. لكنها اشتعلت .. كنت اتطلع في الطريق المرصوف .. لأرى وجهها الباسم .. تشابكت أناملنا .. بدا ضوء البرق الخاطف كضوء فلاش الكاميرا يسجل هذه الصوره التذكاريه .. وبدا صوت الرعدكصوت طلقات الصوت تعبيرا عن الفرحه .. سارت بنا خطواتنا حيث لا ندري اين نحن , ومعنى الوقت .. لا نشعر متى نحن .. فرحلتنا .. أبديه .. عبر الزمن .. وفوق الارض .